الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
العبادة علّة وجودنا على وجه الأرض:
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثالث والتسعين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والموضوع كله متعلق بالعبادة، والعبادة علّة وجودنا على وجه الأرض لقوله تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
والعبادة عند العــوام ضيِّقة جداً؛ أن تصلي، وأن تصوم، وأن تحج، وأن تؤدي الزكاة، أما العبادة عند المؤمنين الصادقين تشمل كل شيء، تشمل كل الأوقات، وتشمل كل الأماكن، وتشمل كل النشاطات، وكل الأعضاء، أي كيانك بكل جزئياته متعلق بالعبادة، فالقلب له عبادة، وتحدثنا عنه في الدرس الماضي، والعين لها عبادة، والأذن لها عبادة، واللسان له عبادة، واليد لها عبادة، والرجل لها عبادة، بل إن الإنسان حينما يفعل شيئاً أباحه الله له، يفعله في موضعه، ومع الشيء الذي سمح الله به هو في عبادة، حينما نفهم العبادة فهماً واسعاً نكون في المستوى الذي أراده الله لنا، أرأيتم إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو في أقرب حالة مع الله، قال تعالى:
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)﴾
أي أنت أيها الإنسان؛ تبلغ أعلى درجة الرقي حينما تكــون عبداً لله، لأن الرب ربٌّ والعبد عبدٌ، العبد يغتني بافتقاره إلى الله، ويقوى بإعلان ضعفه، ويعلم بالشعور أنه لا يعلم، لأنك مفتقر إلى الله تأتيك الإمدادات من الله عز وجل.
لو أننا وقفنا وقفة قصيرة عند عبادة الأذن، قال: من أولى عبادات الأذن الإنصاتُ للحق، أن تُصغي، والإصغاء عند الله عز وجل السماع الذي يعقبه التطبيق، والدليل قول الله عز وجل:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾
علامة الإصغاء أن يُترجم الذي سمعتَه إلى سلوك، وإلا فليس هذا عند الله إصغاءً، لقوله تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)﴾
تسمع أنت حينما تستجيب، تُسمى عند الله سامعاً حينما تفعل، حينما تتحرك، الإيمان حركة، ليس في الإيمان سكون، الإيمان إيجاب، ليس في الإيمان سلب، الحالة السلبية والانسحاب والانزواء والتقوقع، ولا دخل لي، ولا علاقة لي بهم، وسلامتك يا رأسي، وكل من أخذ أمي عمي، هذه كلها صفات لا يقرها الإيمان، الإيمان حركة، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن حتى تُعبِّر عن ذاتها بذاتها، بحركة، الإيمان وقوف، الإيمان خروج من البيت، الإيمان مساعدة، الإيمان نُصح، الإيمان دعوة، الإيمان أمر بالمعروف، الإيمان نهي عن المنكر، أما الوضع السلبي والانهزامي، وانسحب، وتقوقع، ولم يفعل شيئاً، هذا ليس من صفات المؤمن، لذلك من عبادات الأذن الإنصات إلى الحق، وأنت في درس العلم في عبادة، لأنك تتلقَّى العلم، والتلقِّي عبادة من أجلِّ العبادات، لأنك إن أردتَ الدنيا فعليك بالعلمِ، وإن أردتَ الآخرة فعليك بالعلم، وإن أردتَهما معا فعليك بالعلم، إن أردت النجاة فعليك بالعلم، إن أردت السلامة فعليك بالعلم، إن أردت السعادة فعليك بالعلم.
الإنسان كائن ميزته الوحيدة العلم:
أنت مخلوق ميَّزه اللهُ بالعلم، لو حذفت العلم، ما من مخلوق في عالَم الأرض إلا ويفوق الإنسان، بالوزن؛ الحوت الأزرق وزنه مئة وخمسون طناً، أنت ما وزنك؟ بالسمع؛ أعلم علماء الأرض الذي معه أعلى شهادة بالزلازل لا يمكن أن يتنبَّأ بالزلزال قبل وقوعه ولا بثانية، أما الحمار فيتنبَّأ بالزلزال قبل وقوعه بخمس عشرة دقيقة، هذا الحيوان الذي نحتقره، أعلم علماء الأرض لا يستطيع التنبؤ بالزلزال إلا حين وقوعه، بينما هذه الدابة تتنبأ بوقوعه قبل خمس عشرة دقيقة، بالشم؛ الكلب عنده حاسة شمّ تفوق حاسة شمّ الإنسان بمليون ضعف، النظر؛ الصقر يرى ثمانية أضعاف ما يراه الإنسان، الصقر وهو في علياء السماء يرى السمكة تحت الماء، وينقضّ عليها، ما من مخلوق، بالعدو؛ هناك حيوانات تبلغ سرعتها مئة وخمسة وعشرين كيلو متراً في الساعة، بأي شيء، بالطيران، الطائر، بالغوص بأعماق المياه بعض الأسماك تعيش في خليج مريانا، هذا أعمق مكان في الأرض، اثنا عشر ألف متر تحت سطح الماء، في خليج مريانا في المحيط الهادي، غوَّاصة مبنية من الفولاذ المصفَّح بعد مئتي متر تتحطَّم من ضغط الماء، وهذه السمكة تمشي وتسبح في خليج مريانا، ما من صفة مُركّبة في الإنسان إلا وفي الحيوان من يزيد عليها.
طب أسنان متفوق، هناك حيوانات إذا فسد أحد أسنانها نما مكانه سنٌّ جديد، أين هو طب الأسنان؟ هناك حيوان لو قطعت يده نمَت له يدٌ جديدة، هذا فوق طاقة البشر، هناك نوع من الديدان لو قسمتها قسمين ينمو لرأسها ذنَب ولذنَبها رأس، ليس عند البشر أنك إذا قطعت يداً تنمو، ولا إذا قلعت سناً ينمو مكانه، إذًا أنت كائن ميزتك الوحيدة العلم، العلم هو الحاجة العليا في الإنسان، أنت تؤكد أنك إنسان إن طلبت العلم، فإذا عزفت عن العلم تؤكِّد أنك لست من بني البشر.
الإصغاء عند الله هو السماع والتطبيق:
مشكلة الناس اليوم يعيشون لحظتهم، ويعيشون وقتهم من دون أن يدركوا ما سيكون بعد حين، إذاً الإنصات، الإصغاء عند الله هو التطبيق، السماع والتطبيق، أما سماع بلا تطبيق، اليهود ماذا قالوا؟
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)﴾
أما المؤمنون قالوا:
﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)﴾
فالطاعة تؤكد سلامة السمع، أيضاً الاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليك، أن تستمع إلى الشهادتين، أن تستمع إلى أركان الإيمان وأركان الإسلام، أن تستمع إلى تفسير القرآن، أن تستمع إلى بيان الحكم الفقهي، أن تستمع إلى سيرة سيد الأنام، هذه الأذن ينبغي أن تستمع إلى الحق، أما إذا استمعت إلى الغناء، أحياناً تركب بمركبة، فإذا أراد أن ينتقل من محطة إلى محطة لمجرد أن يكون الصوت قرآناً كريماً ينتقل إلى أغنية ويستخدم أذنه لسماع الغناء، والغناء يُنبت النفاق، ورد في الأثر: عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من استمع إلى صوت قينة صُبّ في أذنيه الآنك، قيل: وما الآنك يا رسول الله؟ قال: الرصاص المذاب.
استماع القراءة في الصلاة إذا جهـر بها الإمام، هذه من عبادات الأذن، استماع خطبة الجمعة.
هناك إنسان أحياناً يجلس في خطبة جمعة لا يفهم شيئاً، خاطــره يجول في تجارته، في بيته، في نزهته، في جمع ماله، يقول لك: واللهِ ما فهمت شيئاً، لكن الله عز وجل كتبها لي جمعة، لما ربنا عز وجل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)﴾
قال علماء التفسير: ذكر الله سماع الخطبة ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ .
قال: الاستماع إلى خطبة الجمعة، استماع القراءة إذا جهر بها الإمام، الاستماع إلى أركان الإيمان وأركان الإسلام، الاستماع لما أوجبه الله عز وجل، الإنصات للحق، هذا الذي يُصغي ويُنصت هذا أدب، وأحد وسائل العلم.
الإصغاء للمتكلم بالسمع والقلب:
أما أحياناً أنت في جلسة والمتكلم يتلو قصة تعرفها، الأدب أن تصغي، ولو أنك تعرفها، لأنه كان عليه الصلاة والسلام يُصغي لمحدثِّه، وهذا من أدبه العالي، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به، هذه القصة ينتفع بها طالب علم جديد، تعلَمُها أنت أما عشرة أضعاف الحاضرين لا يعلمونها، فمن الأدب ولو أن الشيء تعرفه، هناك شخص إذا تكلمت يتكلم معك، يقول: هذه أعرفها، تتكلم كلمة يُكملها، أي أنا كل شيء تتكلم به أعرفه، هذا من سوء الأدب، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به.
الآن يَحرم استماع الكفر والبدع، مجلس ما يقال فيه كفر في كفر، يحرم عليك أن تجلس في هذا المجلس، قال: إلا هناك استثناءات، لأن الإنسان يجب ألا يمكِّن نفسه من سماع الكفر، لعله في ضعف فيتمكن، قال الشاعر:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا فارغا فتمكنَّا
لذلك حينمـا يُجرون حواراً في بعض المحطات الفضائية، يأتون بملحِد ورجل مسلم، ويتحاوران ويكادان يتجاذبان ويختصمان، قال: هذا خطأ كبير ما فعله النبي، ذلك لأن كلام الملحد وحُججه قد تصادف قلباً فارغاً فتتمكن منه، أنت مستحيل تقبل كأب أن تسمح لأولادك أن يشاهدوا مناظر إباحية، من أجل أن يحتاطوا، قد يقعون في شراك هذه المناظر، فكما أنك لا ترضى لأولادك أن يشاهدوا شيئاً يفسد أخلاقهم، كذلك لا يمكن أن نسمح لطالب علم شرعي أن يشاهد شيئاً يُفسد عقيدته.
إلا؛ قال: هناك استثناء إلا أن يكون في استماعه مصلحة راجحة، إذا إنسان إيمانه قوي جداً، إذا استمع إلى الباطل بحث عن ردٍّ له، بحث عن حُجة تدحضه، فحينما يستمع إنسان متفوق إلى شبهة، إلى بدعة، إلى مذهب وضعي، إلى فرية، إلى تزوير على الله عز وجل، إلى افتراء على الله وعلى رسوله، العلماء الكبار إذا استمعوا إلى هذا عندهم ألف دليل ودليل على بطلان هذا، فقد يستمعون ليردوا عليهم، أو ليشهدوا على قائلهم، أو ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، لأنه بضدها تتميز الأشياء.
معنى ذلك الإنسان قبل أن يقوى ينبغي أن يكون في حِمية، أما بعد أن يقوى نقول له: أنت وربك، أي واللهُ أعلم الإنسان في البدايات ينبغي أن يكون له مرجعية واحدة، أو تغذية واحدة، أو منبع واحد، أو اتجاه واحد، أو جامع واحد، السبب لا يوجد عنده بالبدايات قدرة على التمييز، فلو نوّع المصادر سيُفاجأ بما هو متناقض بين مكان ومكان، وفئة وفئة، قد يحتار.
الآن ائت بمريض ذهب إلى طبيب، قال له: أنت دواؤك الراحة، اذهب إلى الفراش واستلق، يوجد معه بوادر أزمة قلبية، لو ذهب هذا المريض إلى طبيب آخر، درس في جامعة أخرى، يقول له: المشي ضروري جداً لك، المشي يقوِّي القلب، تمزَّق هذا المريض، طبيب لامع نصحه أن ينام، طبيب آخر نصحه أن يمشي، ماذا يفعل؟ يحتار، أما لو اكتفى بطبيب موثوق بعلمه وخبرته، وحافظ على توحيد التوجيه يرتاح.
ضرورة المحافظة على وحدة المنهج والتلقي:
أنا أنصح الإخوة الكرام؛ طلاب العلم في البدايات أن يحافظوا على وحدة منهجهم، وعلى وحدة التلقي، وعلى وحدة المصدر حتى لا يكون هناك تناقضات تُوقعهم في حيرة، ولا يملكون الدليل على أيهما أرجح، فلذلك يمكن أن تستمع إلى بدعة أو إلى كلام مناقض للشرع والدين دون أن تتأثر، بالعكس تحتقره، بالعكس تجد تناقضه، تجد صفاقته، تجد أنه هزيل غير متماسك، معك على نقيضه ألف دليل ودليل، أما طالب علم مثلاً عوده رقيق، إدراكه ضعيف، حجته ليست قوية، قد يستمع إلى كلام يلقيه كافر أو ملحد أو منحرف فيقنع به.
أحياناً أنت لو عرفت هذه الحقيقة لأنقذت مسلماً أو نصحت مسلماً، فالأصل ينبغي أن تستمع إلى القرآن، وإلى السنة، وإلى السيرة، وإلى الفقه، وإلى موجبات الإيمان، وموجبات الإسلام، لكن ومحظَّر عليك أن تستمع إلى الكفر والبدعة والشرك وما إلى ذلك، إلا أن تكون هناك مصلحة راجحة.
هل يجوز الاستماع إلى صوت النساء الأجنبيات؟
يُحَرّم الاستماع إلى صوت النساء الأجنبيات، ولا سيما إذا خضعن بالقول، قال تعالى:
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)﴾
فالمرأة إذا تكلمت كلاماً معروفاً جاداً، يمكن أن تستمع إليها من وراء حجاب، والهاتف حجاب، أما حينما تُليِّن كلامها، وتخضع بالقول، سماع صوت هذه المرأة أصبح محرماً، ولا سيما إن لم تكن هناك حاجة إلى استماع أصواتهن، لذلك علَّمنا الله فقال تعالى:
﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)﴾
سيدنا موسى، أي تكلم كلمة مختصرة جامعة مانعة لا تحتاج إلى تفاصيل: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ لو أنهما قالتا: لا نسقي حتى يصـدر الرعاء، لماذا؟ تقول له: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ صار هناك حوار، فالأولى أن تلقي كلاماً لا يحتاج إلى مناقشة، فالاستماع إلى صوت المرأة إذا خشي السامع الفتنة ينبغي ألا يسمع هذا الصوت إلا لحاجة ماسة، والصوت ليس فيه تكسُّر ولا خضوع بالقول كشهادة أو ما إلى ذلك.
الطبيب مثلاً لابد من أن يسأل المرأة: ما الألم الذي تشكين منه؟ المحامي يسأل: ما الموضوع؟ القاضي يسأل، والطبيب، والمحامي، والبائع ماذا تريدين؟ لكن في الأعم الأغلب حينما يكون الكلام واضحاً بنبرة جادة، لا يوجد خضوع، لا يوجد تَكسُّر، هذا كلام لا يفتن، قال: وكذلك استماع المعازف وآلات الطرب واللهو كالعود والطنبور واليراع ونحوهما، أي سماع الموسيقا، هذا محرَّم.
الفرق بين السماع والاستماع:
لكن كأن النبي عليه الصلاة والسلام فرَّق بين السماع والاستماع، أنت ماش في الطريق، هناك مقهى، أو محل يبيع الأشرطة، وتصدح مُكبِّرات الصوت ببعض الأغنيات، أنت سمعت هذه الأغنية، ولكن لم يكن لك مشيئة في سماعها، هذا هو السماع، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن المؤمن في سماع ما لا يرضي الله، أما حينما تجلس في البيت، وتأتي بشريط غناء، وتضعه في المسجلة، وتُصغي إليه، هذا هو الاستماع المحرم، من استمع إلى صوت قينة، السماع نرجو الله سبحانه أن يعفو عمن سمع غناء دون أن يريد أن يسمعه، أحياناً يذهب الإنسان بمركبة عامة إلى حلب هكذا:
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾
لا يضعون إلا الأغاني، لا يوجد وسيلة ثانية هذا السماع، أما الاستماع هو المحرم أن تجلس وتستمع.
من خَشِي الفتنة من سماع النغم فالأولى أن يَسُدّ أذنيه:
هناك رأي لطيف: لو خشي الإنسان الفتنة من سماع هذا النغم أو تلك الأغنية الأولى أن يَسُدّ أذنيه، هذا رأي، إذا كانت أغنية يحبها في الجاهلية كثيراً، ثم تاب إلى الله توبة نصوحاً، فلما سمعها بعد أن تاب إلى الله تحركت نفسه، الأولى أن يتشاغل عنها، أو كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: أن يَسدّ أذنيه؛ أي يحتاط بقليل من القطن.
الحقيقة قالوا: يجب سدُّ الذريعة، لم يقل: سدّ الأذن، سدّ الذريعة، أي يتحول من المكان، يذهب من المكان.
الاستماع المستحب أن تستمع إلى العلم، وإلى قراءة القرآن، وإلى ذكر الله عز وجل، وإلى الاستماع إلى كل ما يحبه الله ورسوله.
إنَّ في الإرشاد إنشاداً وفي الإنشاد إرشاداً:
هناك نقطة دقيقة، أحياناً هناك منشد يبتهل إلى الله عز وجل بكلام طيب وصوت شجي، لا مانع، لكن كنت أقول مرة: إنَّ في الإرشاد إنشاداً، وإن في الإنشاد إرشاداً، كيف؟ الإنسان حينما يستمع إلى الحقيقة، وتأتي في مكانها الصحيح، وفي وقتها المناسب، نقول: هذه الحقيقة شفاء له ودواء يطرب له، أحياناً يكون هناك تساؤل، هناك مشكلة، تأتي الآية، يأتي الحديث يوضِّح ، يطرب الإنسان أشدّ الطرب لحقيقة هو مفتقر إليها، أما حينما يستمع ابتهالاً ومديحاً لله جلّ جلاله أو لأنبيائه يطرب، لأن المؤمن يطرب للمعنى، مرة ضربت مثلاً: قد تشرب شراباً نفيساً جداً بكأس غالٍ جداً، في كأس كريستال، ثمن الكأس خمسمئة ليرة، أحياناً ألف ليرة إذا كأس فيه صنعة باهرة وهناك إتقان، فإذا جمعت بين نفاسة الشراب وجمال الإناء فقد جمعت الحُسنيين، إنسان يتكلم حقاً بلغة فصيحة، بعبارة أدبية، بتعبير متين، بإشراق في التعبير، جمع الحسنيين، عمق المضمون، وجمال الأسلوب، مثلاً: شخص أصيب بمصائب كثيرة، قد يقول: تكاثرت عليّ المصائب، هذا تعبير علمي، لكن من غير جمال، أما لو كان بعيداً عن الثقافة كلياً، يقول لك: ما هذه المعيشة السيئة؟! هذا تعبير عامي ساقط، التعبير السليم: تكاثرت عليّ المصائب.
الجمالية في التعبير الأدبي:
أما هناك تعبير أدبي: يقول المتنبي:
بلاني الدهرُ بالأرزاء حتـى فـــؤادي من غشاءٍ من نبــالِ
فصرتُ إذا أصابتني سـهامٌ تكسّرت النصالُ على النصالِ
شبَّه المصائب بسهام مجتمعة على قلبه، اجتمعت لدرجة أنه لم يبق هناك مكان لسهم جديد.
مرة الشاعر نفسه قال يصف الحمى:
وزائرتـــي كأنّ بها حيـــــاءً فليس تزور إلا في الظـــــــلام
بذلت لها المطارفَ والحشايا فعافتها وباتت في عظامــــــــي
أبنتَ الدهر عندي كل بنـــتٍ فكيف وصلتِ أنتِ من الزحام؟
المصيبة هي بنت الدهر، الدهر يلد المصائب.
أبنتَ الدهر عندي كل بنـــــتٍ فكيف وصلتِ أنتِ من الزحام؟
فهناك تعبير أدبي.
مغن سيئ الصوت، تقول: هذا المغني سيئ الصوت، هذا تعبير عادي، أما شاعر ساخر كالحطيئة، قال:
عواء كلبٍ على أوتار منــدفةٍ وقبح قرد وفي استكبار هامان
وتحسب العين فكَّيه إذا اختلفا عند التنغُّم فكَّيْ بغـــلِ طــحَّانِ
أي أعطى صورة معبِّرة تماماً.
الأدب هو التعبير المثير عن حقائق الحياة، تعبير عالٍ جداً، فأنت حينما تُلقي الحقّ بأسلوب أدبي هذا أكمل شيء، المضمون حقّ، والشكل أدب، أما حينما تلقي الحق بلغة عامية، كأن تُقدِّم شراباً نفيساً بإناء غير مقبول أبداً، مزعج، وعاء صدئ تضع له به أناناساً، تفضل، هذا مضمون راق لكن الشيء سيئ، وأحياناً تجد أديباً بعيداً عن الدين بُعد الأرض من السماء، عنده قدرة تعبيرية عالية، لكن أفكاره منحطة جداً، يقول المتنبي:
أيَّ محل أرتقــي وأي عظـيــم أتقـي
وكل ما قد خلــق الله وما لـم يخلـــقِ
محتقر في همتي كشعرة في مطرفي
موزونة؛ لكن المعنى كفر، دققوا البطولة أن تأتي بمعانٍ صحيحة ودقيقة وعميقة وبأسلوب أدبي راقٍ، الأقل من ذلك أن تأتي بمعانٍ صحيحة ودقيقة وعميقة بأسلوب بسيط علمي، أما أن تأتي بمعانٍ ساقطة مهما ارتفع الأسلوب لا قيمة له، والدليل قول الله عز وجل:
﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)﴾
القصة الشهيرة أن المتنبي حينما قال:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعتْ كلماتي من به صمـــــــمُ
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلقُ جداها ويختصـــــــمُ
الخيل والليل والبيداء تعرفنــي والسيف والرمحُ والقرطاس والقلم
كان في طريقه من بغداد إلى حلب أو بالعكس، هجم عليه بعض أعدائه فولَّى هارباً، فقال له غلامه: ألست القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفنــــــي والسيف والرمحُ والقرطاس والقلم
قال له: قتلتني قتلك الله، فعاد وقاتل حتى قُتل، قُتِل في الطريق، لأن الكلام سهل جداً، البطولة أن تكون في مستوى الكلام.
السماع المستحب والسماع المكروه:
لذلك أيها الإخوة؛ السماع المستحب أن تستمع إلى العلم، وقراءة القرآن، وذكر الله، وأن تستمع إلى كل ما يحبه الله، والسماع المكــروه أن تستمع إلى ما يُكره ولا يُعاقب عليه، أما أن تستمع إلى البدع وإلى الغناء وإلى ما يُغضب الله فهذا السماع المحرم، أي هذه الأذن سوف تُسأل عنها، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾
ما معنى الفؤاد؟ الفكر، العقل، أحياناً الإنسان يفكر تفكيراً شيطانياً، أحياناً يفكر تفكيراً لإيقاع الأذى في الناس، ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ﴾ إذا جاء الفؤاد مع السمع والبصر فهو العقل والفكر: ﴿كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ .
أيها الإخوة؛ الأنبياء صلوات الله عليهم لماذا جاؤوا؟ جاؤوا لكلمــة الحق، جاؤوا بالكلمة، فمعنى ذلك أن إلقاء الكلمـة والاستماع إلى الكلمة أحد وسائل الهدى.
التكامل بين اللسان والأذن:
أيها الإخوة؛ هناك تكامل بين اللسان والأذن، اللسان ينطق والأذن تستمع،
(( سيدنا معاذ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: ثُمَّ تلا ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ﴾ حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ ثُمَّ قَـــالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمــُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ ))
[ الترمذي في سننه: حسن صحيح ]
لا أبالغ إذا قلت: نصف المعاصي سببها اللسان، الغيبــة، النميمـة، البهتان، السخرية، الاستهزاء، الكفر، النفاق، الشرك، كله من فعل اللسان.
أنواع الكفر:
حتى العلماء قالوا: هناك كفر اعتقادي، وهناك كفر قولي، وهناك كفر عملي، لو أن واحداً والعياذ بالله أمسك بالمصحف، وألقاه في الأرض، هذا كفر، لم يقل ولا كلمة، لكن هذا السلوك كفر، لو أن إنساناً اعتقد أن الله ليس على كل شيء قدير، هذا كفر اعتقادي، لو قال كلمة الكفر، أحد المنافقين كان محسوباً مع المؤمنين، قال مرة فيما بينه وبين زوجته على مسمع من طفل صغير: لو أن محمداً صادقاً فيما يقول لكنا شرًّا من الحُمر، ولكنه كما يتوهم ليس صادقاً، فهذا الطفل قال له: هذه كلمة الكفر، ذكرها للنبي عليه الصلاة والسلام.
فهناك كفر قولي، وكفر اعتقادي، وكفر سلوكي، فهذا اللسان قد ينطق بالكفر، وقد ينطق بالشرك، وقد ينطق بالبدعة، وقد يحضُّ على كبيرة، وقد يُسَهِّل معصية، وقد يرغِّب في الدنيا، وقد يُثير فتنة، وقد يُلقي شُبهة، قد يدحض حقًّا، وقد يُزيِّن باطلاً، شيء مخيف، ((وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟)) إذًا اللسان والأذن متكاملتان.
ورد أيضاً:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. ))
[ صحيح الترغيب: خلاصة حكم المحدث: حسن ]
لابدّ من أن يستقيم اللسان، لابدّ من أن يصدُق اللسان، لابدّ من أن ينضبط اللسان، الدين كله ضبط، أما أخي كلام بكلام، ما هذا الكلام؟
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». ))
كلمة واحدة، ولعلها إشارة، لو ذكرت امرأة فقلت هكذا، فعلت هكذا، كأنك تتهمها بالزنا، وقذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، فيا أيها الإخوة؛ ضبط اللسان، قبل أن تتكلم بالكلمة عُدْ للألف، قبل أن تُفسِد علاقة بين اثنين، قبل أن تُخَبِّب امرأة على زوجها، ماذا قدم لك زوجك بالعيد؟ زوجها فقير، يحبها وتحبه، راضية عنه، ألم يعطك سواراً؟ والله يليق بك غيره، شيطان يتكلم، والنساء أكثرهن هكذا، شيطانة تُفسد علاقة المرأة بزوجها، أحياناً إنسان يُخبِّب عبداً على مولاه، يُخبب امرأة على زوجها، يُفسد العلاقة بين اثنين، يُلقي شُبهة، يُثير قضية، يدحض حقاً، يزين باطلاً، ((وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟)) .
مقارنة بين رسالة الأنبياء وبين رسالة الكافرين:
اللسان أداة خطيرة جداً، والإنسان بكلمة يسقط، وبكلمة يرقى، الأنبياء جاؤوا بكلمة الحق، والملحدون والكفار جاؤوا بكلمة الباطل، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)﴾
فكلمة الحق تطير في الآفاق وتؤتي أكلها كل حين، وكلمة الباطل ما لها من أصل، وما لها من قرار، لكن صاحبها يهوي بها إلى سبعين خريفاً في النار.
أيها الإخوة؛ يجب أن نعلم علم اليقين أن كل عضو من أعضائنا، وأن كل حاسة من حواسنا، وأن كل جهاز من أجهزتنا، يمكن أن نعبد اللهَ به، والعبادة شاملة واسعة لكل أعضائنا وأجهزتنا، وكل أوقاتنا وأمكنتنا، وكل نشاطاتنا وأفعالنا.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق